المراهقة: المحددات الثقافية والمخاطر الصحية




يبلغ عدد أفراد الطائفة العمرية من الجنس البشري الواقعة بين سن العاشرة وسن الرابعة والعشرين أكثر من 1,8 مليار شخص، أو ما يعادل ربع سكان العالم، يقطن غالبيتهم في دول العالم النامي. وعلى رغم أن معظم هؤلاء ينشؤون ويقضون حياتهم في سلامة وصحة جيدة، إلا أن 2,6 مليون منهم يلقون حتفهم سنويّاً، 






ويتعرض عشرات الملايين الآخرون لمشاكل ومضاعفات صحية، وفي الوقت نفسه يبدأ مئات الملايين منهم خلال هذه المرحلة العمرية في تبني أنماط سلوكية غير صحية، تؤدي إلى إصابتهم بالأمراض والوفاة المبكرة خلال المراحل اللاحقة من العمر.


ويمكن تلخيص أسباب الوفيات والأمراض والمشاكل الصحية التي تصيب هذه الطائفة العمرية، طائفة المراهقين والشباب، في ثمانية محاور رئيسية، هي: العنف، والإصابات الخطيرة، ومشاكل الصحة العقلية، وتدخين التبغ، وتناول المشروبات الكحولية، وحمل المراهقات، والإصابة بفيروس مرض الأيدز، وسوء التغذية. فعلى صعيد العنف، نجد أنه من الأسباب الرئيسية للوفيات بين صغار السن، وخصوصاً الذكور منهم، حيث يقدر أن 430 شخصاً بين سن العاشرة والرابعة والعشرين يلقون حتفهم يوميّاً من جراء العنف الشخصي المباشر، وفي الوقت نفسه يتعرض حوالي ألف آخرون لإصابات خطيرة، تتطلب الحجز والعلاج في المستشفى نتيجة العنف الشخصي. ومثل هذه الوفيات والإصابات الناتجة عن العنف، يمكن تحقيق قدر كبير من الوقاية منها، من خلال منع انتشار الأسلحة النارية والأسلحة البيضاء بين الشباب والمراهقين، وتوفير القنوات المهنية والترفيهية التي يمكنها استقطاب وتوجيه طاقتهم، مع بذل جهود ملموسة في مكافحة انتشار المخدرات بينهم.


وبخلاف العنف تعتبر الإصابات الناتجة عن الحوادث الخطيرة من الأسباب الرئيسية خلف عدد هائل من الوفيات والإعاقات بين المراهقين والشباب، حيث يقدر أن حوادث الطرق وحدها تتسبب في وفاة 700 من المراهقين يوميّاً. ومثل العنف يمكن أيضاً تحقيق قدر كبير من الوقاية ضد هذه الإصابات من خلال التثقيف والتوعية المرورية، والحزم في تطبيق قوانين السير وخصوصاً تلك المتعلقة بالسرعة الزائدة والقيادة برعونة، أو القيادة تحت تأثير الكحوليات أو المخدرات، مع توفير وسائل مواصلات عامة آمنة ومضمونة، وهو ما من شأنه تقليل حوادث السير مع توفير سبل الإسعاف السريع، والمراكز الطبية المتخصصة في علاج الإصابات والحوادث الخطيرة، وهو ما من شأنه أيضاً أن ينقذ حياة كثيرين.






وإذا ما انتقلنا للحديث عن السلوكيات الصحية التي غالباً ما تبدأ في مرحلتي المراهقة والشباب المبكر، وتحمل عواقب صحية وخيمة في المراحل اللاحقة، فسنجد أن تدخين منتجات التبغ يحتل رأس هذه القائمة. فمن المعروف والثابت أن الغالبية العظمى من المدخنين بين أفراد الجنس البشري بدأوا هذه العادة في سنوات المراهقة. ويوجد حاليّاً حوالي 150 مليون مراهق وشاب حول العالم يتعاطون منتجات التبغ، وهو الرقم المرشح للازدياد باطراد خلال السنوات والعقود القادمة، وخصوصاً بين الفتيات. والمؤسف أن نصف هؤلاء سيتعرضون للوفاة المبكرة بسبب "كتالوج" الأمراض والعلل المختلفة التي يتسبب فيها تدخين التبغ. ومثل هذه المأساة من الممكن وقفها، أو على الأقل الإبطاء من مسيرتها، من خلال منع إعلانات السجائر، ورفع أسعار منتجات التبغ بشكل يجعلها خارج القوة الشرائية للمراهقين، وتفعيل القوانين التي تمنع التدخين في الأماكن العامة ووسائل المواصلات، وحتى داخل السيارات الخاصة في حالة وجود أطفال. وهذه الإجراءات لن تنجح فقط في خفض عدد من سيمارسون عادة التدخين في المستقبل، بل ستؤدي أيضاً إلى خفض الكميات المستهلكة من التبغ من قبل المدخنين الحاليين، وربما مساعدتهم على الإقلاع بشكل تام، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيل وفاتهم المبكرة بسبب أحد أمراض التدخين الشره.
وتحتل قضية شرب الكحوليات وتعاطي المخدرات أهمية خاصة على صعيد القضايا الصحية المتعلقة بالمراهقين والشباب، في ظل التغيرات الثقافية التي طغت على العديد من المجتمعات المعروف عنها سابقاً التحفظ والانعزال عن التيارات الدولية السلبية، وهو ما يجعلها أكثر عرضة لتأثير تلك التيارات، وأقل قدرة على مقاومة تأثيراتها الصحية والاقتصادية والأخلاقية.